الثلاثاء، 4 مارس 2008


حلم من صناعة عقلى

أحلامي كأرغفة الخبز..تمنحني الطاقة ..وكرغيف الخبز الطازج يكون حلمي في مهده ..وكرائحة الخبز تكون رائحة أحلامي ..في رأسي يختمر الحلم وينضج ليلتهم من عمري ما يستطيع من الأيام , وككل الفقراء دفعتني الحاجة إلى طابور الأحلام المدعمة للحصول على حلم يمنحني الدفء , ويشبع جوعي للأحلام , ويملأ رأسي .. وتسرب حلم البسطاء إلى عقلي حينما كنت طفلا ..اجلس أمام الشيخ في المسجد وهو ينثر بذور الأحلام في العقول... وينبت حلمي الأول ككل الأطفال , أن أصبح بطلا.. وبحثت عن البطل ..فوجدته في التاريخ والحاضر عندنا..يمسك سيفا أو مدفع. ويجاهد ..ويقاتل ..كل الأشرار ..الكفار..فحمزة أسد الله وخالد بن الوليد سيف الله وصلاح الدين الايوبى الناصر .. حلما لم اصنعه لكنى أخذته لأني لم أجد غيره , فالأحلام الرخيصة هي ما تناسب الفقراء ..وكان لابد أن احلم وان يكون لي حلم.. حلما يجعلني بطلا ..انتصر أو أموت ..حلما تحبه السماء ..ويحبه أهل الأرض من حولي , من اجل كل هذا كان حلمي الأول أن أصبح بطلا في جند الله وكانت جماعة الأخوان المسلمين أول جيوش السماء التي قابلتها في الأرض .. وككل الجنود ولان الجندي لا يسأل..لا يفكر .. فهو يطيع و يذعن و يرضخ و يسلم..استسلمت للحلم وتقاسمته مع آلاف الأخوان وملايين جنود الله وتعاطيت الحلم وأدمنته صباحا ومساءا في الشارع والمسجد والمدرسة والجامعة..وتوقف عقلي عن الدوران في فلك التفكير .. حتى أصبحت ترسا في آلة من آلات السماء التي تدور لتصنع عباد الله وجيش الله , ليحاربو أعداء الله , لكن شرارة من نار المعرفة طالت ثوب الحلم , ودفعني الفضول الانسانى ذات يوم لاقف اسمع ما يقوله أعداء الله في الجامعة من كلمات , قال لي اخوانى عنها أنها مصايد الشيطان, لكن فضولي دفعني لمعرفة حيل الشيطان , فقد كنت دائما اعتقد أنني أقوى من كل شياطين الأرض , وشبت نيران المعرفة في جسد الحلم , فاحترق الحلم كما يحترق الشيطان عند طلوع الشمس, وأضاءت نيران المعرفة عقلي , فعاد يبصر طريقه ويبحث عن حلم يزرع قمحه , ويجنى سنابله , ويطحن حبه , ويعجنه بماء العلم , فيضحى حلما من صنعي لا يأكل عقلى , لكنه يمنحه الطاقة ليعيش ويقوى ويفكر ويواجه ...فكان حلمي الحقيقي الأول أن أعيش حرا.. بعقل حر.. يفكر بحرية.. ويعبر عن أفكاره بحرية.. ويدعو إليها بحرية.. فقد تعلمت أن الحرية هي الكنز الذي نفتقده بعدما كبلت عقولنا الموانع والسدود والعقبات من العيب والحرام والتقاليد والخرافات والأباطيل والممنوعات والتابوهات حتى خنقت عقولنا ومنعت عنها أكسجين الحياة , فأصبحت حياة مخنوقة , ومن اجل ذلك بدأت الدفاع عن حريتي التي احلم بها وابحث عنها , بعدما أدركت أن جدار القمع والاستبداد والرجعية الذي نعيش خلفه ما هو إلا مجموعة من الأحجار تكونت عبر سنوات طويلة تراصت بجوار بعضها البعض فكونت هذا الجدار الضخم من الجهل والتخلف والقمع , لذلك كان واجبا على أن أدرك أن هذا الجدار سيزول بذات الطريقة التي تكون بها , فشرعت في تحطيم هذا الجدار حجرا حجرا وقطعة قطعة , إيمانا منى , أن على الإنسان أن يبدأ ...., عليه أن يضئ شمعة خير له من أن يلعن الظلام ألف عام , فبدأت بشيوخ الظلام ودعاة الجهل وكهنة معبد الخوف الذين يحفرون الخوف في قلوبنا لنظل متخبطين في جهلنا , هؤلاء الذين يزرعون الكراهية في قلوب البسطاء مستغلين جهلهم ويرهبون أصحاب العقول لإعاقتهم عن المبادرة ..... وبحثت عن الوسائل التي أواجه بها طرق الاستبداد فوجدت الكثير منها سهلا ميسرا لا يكلفني الا بعضا من وقتى أهبه لنفسي أولا وللآخرين للمساهمة في صناعة الحرية وبحثت عن اسلحتى فوجدت قلما قادرا على إزهاق روح الجهل فبدأت بعمل مدونتى على شبكة المعلومات الدولية الانترنت ( مدونة محامى الفقراء)
وارسلت مقالاتى لكل الجرائد والمجلات التى يمكننى الاتصال بها, واستجابت لى بعض هذه الجرائد ونشرت لى حتى ان بعضها اصبحت انشر فيه بصفة مستمرة ومنتظمة , ولم اكتفى بالكتابة فقط , ولكن اردت ان استخدم مهنتى كمحامى ومعرفتى بالقانون في تفعيل القانون المحلى والاقليمى والدولى عن طريق نشر الوعى القانونى وتبسيط المفاهيم القانونية للبسطاء من الناس من خلال إعطاء محاضرات عن الحقوق والحريات فى الاماكن العامة ومراكز الشباب وتجمعات الشباب, فوعى الانسان بحقوقه هو اهم ضمانة له حتى لايتعرض لانتهاك هذه الحقوق ,فكثير ما يلعب الجهل بالحق دورا فى تمكين المعتدى من اعتداءه ,فمعرفة الحق هو اول الطريق للمطالبة به , وفى هذا الاتجاه – اتجاه نشر الوعى – طرحت فكرة لماذا لاتقوم وزارة الداخلية بمحو امية عساكر الامن المركزى الذى يقدر عددهم بالملايين بمحو أمية هؤلاء الجنود خلال فترة تجنيدهم التى تبلغ ثلاث سنوات متصلة وكتبت مقالة عن هذه الفكرة واتخذت اجراءت عملية لإقامة دعوى قضائية امام القضاء الادارى لالزام الوزارة بذلك بحكم قضائي فمن الأنانية ان ينظر المثقفين والنخبة لانفسهم ويطالبوا بالحرية وابناء مجتمعاتهم يفترسهم الجهل والامية... ,ولم اقف عند حد نشر الوعى بالتثقيف القانونى , ولكن اردت ان اخلق حالة حوار مجتمعى عن قضية هى من اهم قضايا مجتماعتنا , الا وهى قضية قبول الاخر والتى تتداخل مع قضية المواطنة انطلاقا من قاعدة المساواة بين البشر تلك القاعدة التى تبنى عليها كل حقوق الانسان وحرياته , هذه المفاهيم التى يسبب غيابها فى مجتمعاتنا كوارث تتراكم , منها حالة الاحتقان الطائفى المتزايد وبخاصة بين المسلمين والاقباط والتى تتصاعد وينتج عنها حوادث عنف تضر بالجميع ,فبعد دراسة هذه الظاهرة دراسة متأنية وبعد متبعة الإحصائيات الخاصة بها استقر في يقيني أن من أهم اسباب الاحتقان الطائفى هو تشويه رجال الدين من الطرفين للآخر وبث روح العداء والكراهية, وصبغ هذا العداء بالقداسة وكأنه امر من الله , فأردت ان اوقف هذه المهزلة ووجدت أن تفعيل القانون هو محور من أهم المحاور التي يمكن العمل عليها وبخاصة ان القوانين تجرم ازدراء الأديان والتحريض ضد فتقدمت ببلاغ ضد احد هؤلاء الشيوخ لأنه كان يسب الإنجيل بألفاظ وعبارات يجرمها القانون ويحرض على احتقار المسيحيين والتربص بهم , فكان زلزالا لأنه كان أول بلاغ ضد شيخ مسلم من شخص مسلم لأنه سب الإنجيل, وأسست البلاغ على الحق والحرية في الاعتقاد الذي يتضمن حق الإنسان في ألا يسب احد معتقداته , وأحدث البلاغ حالة حوار مجتمعي أوقن إنها مجرد حجر ألقيته في الماء الراكد ليس إلا, وحجرا صغيرا حطمته فى جدار احتكار الحقيقة والكراهية المقدسة وفى هذا الطريق ولاني مررت بتجربة الانتماء إلى الجماعات الإسلامية , هذه التجربة التي اتاحت لي التعرف على العقلية الأصولية من الداخل خاصة وان المنهج الفكري والتربوي وآليات التجنيد والاستقطاب داخل هذه الجماعات هي مناهج تلقينية في اغلبها غير مكتوبة , ولا يطلع عليها إلا من مر بهذه التجربة وكان قادر على التخلص من هذه الأفكار وتحرير عقله , من اجل ذلك طرحت فكرة تنقية كتب التراث مما يشوبها من أفكار ومعتقدات عدائية تجاه الأخر , وذلك ليقيني من قوة تأثير كتب التراث على مجتمعاتنا وبخاصة كتب ابن تيمية وابن القيم , هذه المرجعيات التي كتبت في ظل الحروب الصليبية وحروب التتار فجاءت مفعمة بالكراهية والعداء تجاه الأخر, من اجل ذلك كانت صيحتي لتنقية ومراجعة كتب التراث لإعادة صياغة مفاهيم المجتمع بصيغة الحرية والمساواة حلقة فى مسلسل بحثى عن الحرية لى وللاخريين لانى اؤمن ان الحرية لابد ان تمر على المجتمع قبل ان تصل لى, ومازال النهر يجرى فى عقلى يمدنى بمياه الحرية المقدسة التى تروى ذهني لتتفتح فيه أزهار سنابل احلامى الحقيقية التى تصنعها ارادتى .
احمد ابو المجد
محامى الفقراء
http://loweregypt.blogspot.com/