الثلاثاء، 31 يناير 2012

مباحث امن الدعوة



جريمة ام مغامرة ام هى طاعة لله ورسوله وإولى الامر ام انها كانت حماقة ؟ لن احكم على هذه الليلة ... لكنى سأرويها وسأدع الحكم لكم , فأنتم بحاجة الان لتفسير كيف يتصرف الاخوان ؟ ولماذا يرتضى شاب متعلم مثقف ان يتحول الى جندى امن مركزى , فهذا ماتربى عليه داخل الجماعة ...

الضحية دائما تتذكر والجانى عادة لا يتذكر جرائمه , لذلك استطيع بعد مرور حوالى اثنى عشر عاما على ذكرى اول اعتقال لى ان اتذكر كل التفاصيل ... لكننى وبعناء احاول استرجاع ذكريات تلك الليلة التى كانت بعدها بحاولى سنتين , ذلك لاننى كنت ليلتها ( ضابط امن دولة ) , أدوار كثيرة لعبتها فى سنواتى الطويلة التى قضيتها مع الاخوان المسلمين ( الداعية , المنشد , الممثل , الامام , محفظ الاطفال القراءن ) , لكن إصرار الجماعة فى هذه الايام على حشد الشباب للقيام بدور الامن المركزى فى ميدان التحرير فى الذكرى الاولى لثورة 25 يناير ثم تكرار ذلك فى 31 يناير امام مجلس الشعب لمنع المتظاهرين من التظاهر والاحتجاج السلمى امام البرلمان , استدعى كل هذ الادوار - وبخاصة الامنية - التى لعبتها بداية من عضو فى ( لجان الردع ) فى المظاهرات ايام الجامعة والتى كنت اقوم فيه بدور عسكرى الامن المركزى (الموازى ) مرورا بدورى فى إختراق القوى المنافسة فى الإنتخابات - جاسوس - كما حدث فى انتخابات مجلس الشعب لعام 2000 حيث كلفت بإختراق الحزب الوطنى فى دائرة المطرية وعين شمس عن طريق التقرب من مرشح العمال فى ذلك الوقت للحصول على كشوف الناخبين و توكيل عام عن المرشح لمتابعة العملية الانتخابية , وكذلك دورى فى إختراق تيار سياسى داخل نقابة المحامين لمتابعتهم من الداخل ...

دائما كان يحركنى فى كل هذه الاعمال ايمانى الكامل بقضية الجماعة فى هداية البشر واقامة دولة اسلامية تنتهى بإستاذية العالم , وقناعتى اننى من جنود الله فى مواجهة اعداء الله , ودائما كان لدى مايبرر ذلك بل و ما يحفزنى عليه من خلال ما اتلقاه فى اللقاءات التربوية ( لقاء الاسرة ) و(كتيبة الشعبة ) , لكن الامر كان مختلفا ليلتها لأسباب كثيرة , فالدور الذى اقوم به هو دور ضابط امن الدولة وميدان المعركة كان شقة فى مدينة نصر يلتقى فيها الاخوان ...

تبدأ القصة فى حى المطرية فى شقة الاخ حلمى حيث جمعنى لقاء مع عدد من الاخوة وكان من الحاضرين احد قدامى الاخوان فى المطرية ( الاخ عادل ) الذى اوضح لى ان سبب وجوده هو انه يريد منى طلب فى منتهى الاهمية , وهو انه مسئول تربوى لمجموعة من الشباب فى مدينة نصر , وان هذه المجموعة تعانى من (مشكلة تربوية ) متعلقة بعدم ثباتهم وخاصة فيما يتعلق بالامور الأمنية , مما يستلزم مرورهم بتجربة او اختبار قاسى , ليتأكد الاخ عادل - مسئولهم التربوى - من صلاحيتهم فى الاستمرار فى الجماعة والترقى فى سلمها الدعوى ام لا , واوضح لى عادل انه يرى ان افضل طريقة للتاكد من ذلك هو مرورهم بإختبار أمنى شديد عن طريق ان اقوم انا وعدد من الاخوة بدور قوة من مباحث امن الدولة ونقتحم مقر الشقة - اثناء احد اللقاءات - التى يجتمعون فيها لعقد اللقاءات التنظيمية ونقوم باستجواب كل واحد منهم على انفراد لنعرف مدى صلابته وتحمله وصلاحيته فى استكمال طريق الدعوة !!! ,اتفقنا على التفاصيل وكانت اهمها ان نحدد ميعاد اقتحام الشقة وان تكون المجموعة المستهدفة كلها مجتمعة فى هذا التوقيت فى حجرة واحدة وهذه الحجرة تكون منافذها مغلقة باحكام - حتى لايقوم واحد منهم بمحاولة الهرب بالقفز من النافذة - وان يكون صاحب المكان على علم بذلك حتى يقوم بفتح باب الشقة بسهولة وحتى لانحدث جلبة تلفت نظر الجيران , وفى ليلة التنفيذ ذهبت بصحبة اربعة من شباب الاخوان تعمدت ان اختارهم اقوياء البنية , واقتحمنا الشقة ودخلنا الغرفة التى كان الشباب يعقدون اللقاء فيها وكان يجلسون على الارض فى دائرة وبصورة سريعة وبلهجة آمرة مصحوبة بالسباب طلبت منهم الوقوف وادارة ووجوههم الى الحائط , وان يقوم كل فرد منهم بتغمية عينيه بما يرتديه من قميص او تى شيرت , ثم بدأت التحقيق باصطحاب كل واحد منهم بمفرده فى غرفة بعيدة عن الاخرين لسؤاله عن موقعه التنظيمى داخل الجماعة وسبب وجوده هنا ومن هو قائد المجموعة ومجموعة الاسئلة التى تبين مدى تماسكه فى التحقيق وقدرته على الصبر والجَلد وخاصة واننى كنت اقوم بالتحقيق وانا اوجه لهم اللكمات والشتائم والسباب - كما يفعل ضباط امن الدولة - لكننى لم اتمادى فى ذلك بل كنت الى حد كبير ارفق بهم , حتى عندما كان يقترب بعضهم من الانهيار والبدء فى الاعتراف كنت انهى التحقيق , وانتهى التحقيق وتم تجميعهم فى الغرفة مرة اخرى وطلبت منهم ان يجلسوا كما كانوا ويفكوا العصابة من على اعينهم , ولحظتها اخبرتهم اننى لست ضابطا واننى واحدا منهم وان ماحدث كان مجرد اختبار عملى لقياس مدى استعدادهم للاستمرار فى الجماعة ومدى صلاحيتهم لذلك , وثار بعضهم بمجرد معرفة ذلك وبخاصة شاب منهم كان يدرس فى الجامعة الامريكية , وثار اخر لانه كان مريض بالقلب , لكن ظلت الاكثرية راضية بماحدث سعيدة به وخاصة انهم مروا بتجربة ثقة داخل الجماعة - قفزة الثقة فى الكليات العسكرية - بالرغم من تعرضهم للضرب والسب ولموقف تعرضوا فيه لكثير من الاهانة وامتهان كرامتهم , لكن كان عزاءهم ان ماحدث كان من اجل دعوتهم !! التى يعتقدون من داخلهم انهم يضحون فى سبيلها بكل ثمين وغالى حتى لو كان كرامتهم وانسانيتهم, لكن بالنسبة لى كانت تجربة مؤلمة بالرغم مما فيها من مغامرة , فلقد ظللت لفترة طويلة تطاردنى مشاهد قيامى باستجوابهم والتعدى عليهم , مما كان سببا من اسباب كثيرة فى اعادة النظر فيما اؤمن به تجاه الجماعة , فهل وقوف شباب الاخوان كجنود الامن المركزى اليوم فى مواجهم اشقائهم فى الثورة سيكون سببا فى اعادة الوعى لديهم مرة اخرى ؟

احمد ابوالمجد

القاهرة 1 فبراير 2012 الساعة الثالثة فجرا