السبت، 18 سبتمبر 2010

رحمة ابليس


رحمة ابليس

الملائكة لا تجلس على المقاهى لذلك انا لا احبهم ... بكل بيروقراطية تجدهم على اكتاف البشر يعملون فى جد بحثا عن أخطاء لتسجيلها عليهم , التلصص والتجسس مهنتهم , هل يمكن ان يكون الملائكة يحبون البشر ؟ فلماذا يحب الناس الملائكة ؟ بينما الشياطين يمكنك ان تجلس معهم على مقهى او فى بار او فى حديقة بل يمكن ان تركب دراجة مع الشيطان او تذهب معه الى الملاهى... بل ربما يساعدك احدهم فى ان تجد خليلة تقضى معها ليلة تدين بفضلها للشيطان وللفارس الذى تحمله , بعدم اكتراث واجهت ذلك الملاك الذى جاءنى ليخبرنى بأننى مدعو الى الصعود الى السماء مكافأة لى على موقفى من آدم وتاكيدى على انه غير مدان بأكله من الشجرة .

فى صبيحة ذلك اليوم كانت جلسة محاكمة ذلك الشاب النحيف الذى وقف يرتجف خلف القضبان يزداد ارتجافه كلما صرخ وكيل النيابة بأنه مذنب ويستحق اقصى العقوبة لانه اسلم روحه للشيطان وترك جسده لرجل مثله يبادله حبا غير مصرح به ,اشياء كثيرة مستفزة قالها ( ممثل الادعاء ) لكن اكثرها على الاطلاق استفزازا كان تشبيهه ما فعل ذلك الشاب بخطيئة آدم عندما آكل من الشجرة فكان سببا لشقاء البشر وخروجهم من الجنة , يأتى دورى فى الدفاع فاجدنى مطالبا بالدفاع اولا عن آدم حتى أصل للدفاع عن ذلك المرتجف خلف القضبان , لم يخطئ آدم يا حضرات القضاة ......لكننا من أخطانا فى حقه عندما القينا عليه اللوم , توجهت لممثل الادعاء وسألته ماذا لو احضرت قطعة من الحلوى امام طفلك وطلبت منه ان لا يأكلها وتركته مع الحلوى فى غرفة واحدة وخرجت ؟ ماذا لو تركت النار بجانب البنزين ؟ آدم لم يخطئ ..وحواء لم تخطئ ...والشيطان لم يخطئ .. وذلك الشاب لم يخطئ , ولكن الخطأ هو لمن سحب ورقة الاجابة من آدم قبل ان ينتهى الوقت المناسب للاجابة .

صممت وقتها ان اصطحب معى جهاز الكمبيوتر الشخصى وعليه كل روايات نجيب محفوظ و باولو كويلو والطيب الصالح و جابرييل جارسيا ماركيز , عندما هبط ادم من السماء لم يأخذ منها شئ , ربما لم يجد ماسينفعه على الارض ,لكننى كنت على يقين اننى بحاجة الى رائحة الارض فى السماء , لم ابحث يوما عن فرصة للهجرة لاى مكان فى العالم , اؤمن اننى حيثما ولدت لابد ان اموت , فى كل يوم تمتد جذورى وتنمو , واليوم يأتينى عقد عمل فى السماء لاننى تطوعت للدفاع فى قضية رجل تخلى عنه كل ابناءه وأمنوا بجريمة لم يرتكبها , ما اقصى عقوق الابناء , اصعد الى مسرح الجريمة بعد آلاف وربما ملايين السنين من وقوعها , لا اعرف سبب هذه الدعوة لكنى اعرف تماما ما سأفعل هناك , فهذه قضيتى ...اجد السماء تكتظ بملائكة لا احبهم فهم يفعلون ما يؤمرون ولن استطيع الاستفادة منهم فى مهمتى التى قبلت من اجلها الصعود الى السماء واترك جذورى فى الارض , فليس كل صعود هو تكريم ...فأن تكون عمدة كفر البلاص أكرم من ان تعمل خادم فى البيت الابيض , براءة آدم ذلك الرجل الذى انتسب اليه هى كل مايهمنى , تتودد السماء كثيرا لى كمرأة عجوز شبقة تتود لعامل الدليفرى هى ترغبه وهو يرغب فى البقشيش , مستقيمان متوازيان لا يتقاطعان , لم يمر وقت طويل لادرك ان صعودى الى السماء لم يكن تكريما او جائزة لى بقدر ما كان رشوة للصمت فى قضية ينفذ عقوبتها كل البشر لابد ان تبقى الحقيقة غائبة ...ويبقى (آدم ) مدان ...ويظل اللوم على (حواء) .... ويظل البشر رهن عقدة ذنب لم يرتكبوه .... يواجهون شريكهم فى المأساة بقسوة المظلوم على المظلوم انه (ابليس) اول من حاول ان يعلم آدم ان علاقة الكائنات بعضها ببعض لابد ان تقوم على الاحترام المتبادل لاالسجود , التعاون لا الخضوع , الحب لا الخوف , ابحث عن شريك أبى اللدود ومعلمه فى كل مكان وتحول الملائكة بينى وبينه , لكنه كعادته ينجح للوصول لى ويدعونى لنجلس سويا بجوار (شجرة الخلد ) التى آكل منها أبى , يحكى لى كيف حاول ان يعلم ابى ان يرفض... ان يقول (لا ) ..ان لا يصبح عبدا لرغبات الاخرين ... ان يكف عى آداء دور التلميذ المطيع ,الطالب المثالى , ان يكون كمايريد ..لا كما يريد الاخرين منه , اطلب منه ان يساعدنى للحصول على صك البراءة لابى من السماء فيبتسم ويخبرنى ان خلاص آدم وذريته فى الارض لا فى السماء , تعلموا الدرس ...حبوا انفسكم لتحبوا الاخرين , تعاونوا ولا تخضعوا , حبوا ولا تخافوا , كونوا بشر ولا تتشبهو بالملائكة , بكل أرادتى اذهب الى الشجرة التقط ثمرة منها وبلا تردد انهيها حتى آخرها تغمرنى السعادة عندما ارى جسدى حرا طليقا فاليوم لم تعد لى سوءة ...ولم تبقى لى عورة.... وقد انهيت الذنب ... فأنا فخور بآدميتى ...