الأربعاء، 23 يناير 2008




أمريكا التي أحب ...واكره!!


الغول والعنقاء والخل الوفي مستحيلات رابعهم أن يجتمع الحب والكراهية في قلب واحد لكيان واحد, ولكنها نجحت في ذلك , إنها أمريكا التي نتطلع إلى الهجرة إليها ونكره تدخلها في شئوننا, نزورها ولا تزرونا ,أول ما سمعت عنها و أنا طفل كان في خطبة الجمعة والشيخ يدعو " اللهم عليك بأمريكا " فكرهتها , ولكن سرعان ما أحببتها من اجل ميكى ماوس ورفاقه في عالم العم (والت ديزني ) وأفلام رعاة البقر القديمة والاكشن التي اشتهرت بها هوليود الأمريكية , لم يمكث حبي لها طويلا , فقد جاء (سيد قطب) ليعيد كراهيتها من جديد عندما قرأت له كتابه الشهير بعنوان (أمريكا التي رأيت ) الذي يصف فيه الشعب الامريكى بقوله "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك"، أمريكا التي لها الفضل في أن يتعرف سيد قطب على حركة الأخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا ، لأنه عندما تم اغتيال حسن البنا، أخذ الأمريكيون بالابتهاج والفرح مما أثر في نفسية سيد قطب وأراد أن يتعرف على هذه الحركة عندما يعود إلى بلده حسب لتساهم أمريكا في صناعة المُنظر الأول لجماعات العنف الاسلامى, وازدادت كراهيتي لها عندما استمعت إلى المحاضرة التي يحكى فيها الشيخ عائض القرني (احد أهم شيوخ الحركة السلفية في السعودية ) رحلته إلى أمريكا فيصورها على إنها الجحيم بعينه ,بلاد الكفر والفجور والزندقة ,بذات العنوان "أمريكا التي رأيت" , أمريكا التي يوصينا بها الشيخ عمر عبد الرحمن(مفتى الجماعة الإسلامية) والسجين فيها بقوله " «إنهم إن قتلوني ـ ولا محالة هم فاعلوه ـ فشيعوا جنازتي وابعثوا بجثتي إلى أهلي لكن لا تنسوا دمي ولا تضيعوه بل اثأروا لي منهم أشد الثأر وأعنفه» , وأعيد النظر في كراهيتها بعدما اسمع حكاية وتجربة الأديب علاء الاسوانى مؤلف رواية شيكاجو الذي يقول:الأمريكيين شعب طيب وخدوم ولكنه يتساءل كيف يختار هذا الشعب حكومته التي تدعم الحكام المستبدين وتقف مع إسرائيل التي تقتل النساء والأطفال وتغتصب الأرض؟ وبين الحب والكراهية يتأرجح قلبي , أكاد أموت من الحماس و أنا اهتف في المظاهرات في بداية احتلال العراق "تسقط أمريكا وعملاء أمريكا " ويطربني صوت( كمال خليل) و(كمال أبو عيطة) وهما يغردان "ويكا يا ويكا يا بتاع أمريكا .. بكرة هيجي الدور عليك"
لكنني أجد نفسي مضطرا للإشادة بالعبقرية الأمريكية في التدريب والتعليم في المؤسسات التي تدعمها أمريكا على آليات حقوق الإنسان, وقدرة هذه المؤسسات على تحقيق أهدافها في دفع مؤسسات المجتمع المدني , ومساندة نشطاء سياسيين وحقوقيين في مهام عملهم و تفعيل القوانين والمعاهدات الدولية في هذا الاتجاه,بشكل فائق الروعة والدقة والنظام والجدية , تعجز عنه كليات ومعاهد متخصصة ,ثم تأتى أمريكا بإصرار لتهدم ما يبنيه حلفائها في قلبي من مودة واعترافا بالجميل بذلك (الفيتو) العقيم الذي يزيل عن وجهها كل المساحيق والألوان وهى تدافع عن إسرائيل بكل ما لديها من قوة ومن جبروت وتمنع مجلس الأمن امن اتخاذ اى إجراء لوقف الاعتداءات الإسرائيلية, فتفطن إلى ذلك أمريكا لترسل لنا ابنتها ( راشيل كوري ) تلك الفتاة الأمريكية الجميلة ابنة الثالثة والعشرين التي جاءت إلى ارض فلسطين لتقف في مواجهة الجرافات الإسرائيلية لمنع هدم بيوت الفلسطينيين ,واعترضت بجسدها النحيل الجرافات التي لم ترحمها فأخذتها في طريقها لتكون شاهدة على الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين العزل, وعندها فقط احترم الحرية الأمريكية التي صنعت عقل راشيل كوري وصنعت عقول الدورع البشرية الأمريكية التي جاءت للعراق لحماية المنشأت الحيوية العراقية من القصف الامريكى !!
لقد دأبت أمريكا هذه المرأة الجميلة المجنونة المتوحشة , إلا أن تثير كل مشاعر الحب والكراهية والحيرة والعجب داخلي في آن واحد ,هل أمريكا هي بوش مجنون الحرب أم هي جيمي كارتر الذي عارض الحرب على العراق فى مقاله الشهير بجريدة "النيويورك تايمز " الأمريكية بقوله " هل هي مجرد حرب ..........أم حرب عادلة " ؟ , أين حقيقة أمريكا؟هل هي في سجن أبو غريب ومعتقلات جوانتناموا أم هي في المؤسسات الداعمة للحرية وحقوق الإنسان والمعامل التي تتبنى علماء مثل العالم المصري الحائز على نوبل (احمد زويل ) لتقديم الرفاهية والتقدم للبشرية والتجمعات التي تهتف ضد الحرب مثل منظمة "ليس باسمنا " التي تعلن أن الحرب على العراق ليست باسم الشعب الامريكى ,أمريكا متعددة الوجود ايهما نصدق الوجه الذي يطل منه اللوبي الاسرائيلى , الذي يسيطر على مؤسسات اتخاذ القرار الأمريكية ام الوجه الذى يطل منه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، وهي منظمة حقوق إسلامية في واشنطن التي يتنامى دورها فى المجتمع الامريكى يوما وراء يوم ,ايهما يعبر عن أمريكا المخرج الامريكى مايكل مور الذي صرخ عند استلامه جائزة الاوسكار"هذه الحرب عار عليك يا بوش" ام السيناتور جون ماكين الذي يؤيد الحرب واستمرار الاحتلال الامريكى للعراق ويجعل ذلك الهدف القومي الامريكى الأول, أمريكا تلك المرأة التي يتمناها الجميع ويخافها الكل المرأة التي تتمناها في أحلامك , وتلعنها أمام الميكرفونات, هي ملاك الرحمة ,ام زبانية العذاب, أمريكا التي تراودنا عن أنفسنا فتقطع قميص من يأبى وربما تقطع رقبته كما فعلت مع صدام , أمريكا التي تحتضن عمرو خالد ذلك الوسيم الذي يرتدى لها افخر الثياب فتجعله الميديا الأمريكية من أهم الشخصيات في العالم , وتطارد ايمن الظواهري وابن لادن لأنهم حاولوا النيل من أمنها وسلامتها,أمريكا التي ضغطت للإفراج عن الدكتور سعد الدين إبراهيم من السجن بعد إعادة محاكمته , وتخلت عن ايمن نور لتتركه تحت أنياب السلطة تنهشه ,ثم نجدها تقف لتدعم الأقباط في مطالبهم وتقيم المؤتمرات لأقباط المهجر على أرضها , في ذات الوقت التي ترسم (ماكسيموس) أسقفا وتدعمه لمنافسة الكنيسة القبطية وشق عصا الطاعة عليها, أمريكا القرية الكونية والعولمة أم صراع الحضارات؟, أمريكا التي نعجز أمامها حتى عن أن نحدد هل نحبها أم نكرهها؟
احمد ابو المجد
محامى الفقراء
http://loweregypt.blogspot.com/


السبت، 19 يناير 2008

مافيا تعويضات المعتقلين.. «كنز علي بابا»



أحمد أبو المجد

امرأة منتقبة تجلس في الشارع علي الرصيف تبيع أكياس المناديل الورقية وبجوارها طفلة مختمرة لم تتجاوز الخامسة من العمر... مشهد يثير الشفقة والتعاطف في القلوب بصورة محزنة..لأنه سيتبادر إلي ذهنك أنها زوجة معتقل من معتقلي الجماعات الإسلامية.. ولكنك ستعيد النظر في شفقتك هذه عندما تعلم أن الدولة تنفق 440 مليون جنيه سنويا تعويضات لهؤلاء المعتقلين.. وحتي تكتمل الصورة نبدأ القصة من أولها:
لم يكن يعلم المستشار علي أبو جريشة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين انه يفتح باب مغارة علي بابا عندما اقام اول دعوي تعويض عن تعذيبه في سنوات الاعتقال في الحقبة الناصرية، وطلب في صحيفة دعواه تعويضه بمبلغ خمسة وثلاثين ألف جنيه، وسطرت المحكمة حكمها التاريخي بالقضاء له بالمبلغ كاملا، وأوردت في حيثيات الحكم أن المحكمة لولا أنها مقيدة بطلبات المدعي لحكمت للمدعي بمبلغ اكبر من ذلك تعويضا له عن الآلام التي تعرض لها... ومن هنا بدأت القصة وتوالت دعاوي التعويضات من معتقلي الإخوان في أواخر السبعينيات والثمانينيات، ثم جاءت اعتقالات الجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة والجماعات السلفية الصغيرة بعد المواجهات الدامية بين النظام وهذه الجماعات، وامتلأت السجون والمعتقلات، وتولي محامو هذه الجماعات إقامة دعاوي التعويضات علي النحو الاتي:
من يتم اعتقاله من الجماعات الإسلامية يحق له أن يقيم دعوي قضائية يطالب فيها بتعويض من الدولة لاعتقاله دون حكم قضائي كما يحق لزوجته ووالده ووالدته المطالبة بتعويض يضا من الدولة وهو ما يترتب عليه الآتي:
أولا:
1- تحسب السنة الإدارية بـ 3 آلاف جنيه كتعويض للمعتقل واجبة التنفيذ.
2- تحسب السنة الإدارية للأب بـ 1000 جنيه كتعويض عن اعتقال نجله واجبة التنفيذ.
3- تحسب السنة الإدارية بـ 1000 جنيه للزوجة كتعويض عن اعتقال زوجها واجبة التنفيذ. 4- تحسب السنة الإدارية بـ 1000 جنيه لوالدته كتعويض عن اعتقال نجلها واجبة التنفيذ.
وإجمالا فإن علي الدولة ان تعوض المعتقل وأسرته بـ 6000 جنيه سنويا كتعويض إداري فقط. وهي الاحكام الصادرة من مجلس الدولة فقط.
ثانيا:
يرفع نفس المعتقل دعوي قضائية ضد الدولة يطلب فيها تعويضا مدنيا وهو ما يسمي "قضيا التعذيب" مع تعدي فترة اعتقاله عشر سنوات لكل سنتين او سنة قضاها في المعتقل وذلك لضمان الحصول علي اكبر قدر من المكاسب المادية وتختلف قيمة التعويض المدني - عن التعذيب - من معتقل لآخر ولكنها تفوق قيمة التعويض الإداري فمن الممكن أن يحصل المعتقل علي تعويض مقداره 4 آلاف جنيه كحد أدني في السنة ويصل في بعض القضيا الي عشرة آلاف جنيه، وبحسبة بسيطة لمعرفة حجم إهدار المال العام الذي تسببت به الإجراءات الأمنية الخاطئة مع هذا الملف إذا كان عدد المعتقلين حسب التصريحات يقدر بأربعين ألف معتقل فإن علي خزينة الدولة ان توفر 240 مليون جنيه سنويا تعويضات إدارية لأعضاء الجماعات الإسلامية وعلي خزينة الدولة أن توفر علي اقل تقدير حوالي 200 مليون جنيه سنويا تعويضات مدنية ي تعويضات "تعذيب" ليصل إجمالي المبلغ المطلوب توفيره سنويا لأعضاء الجماعات الإسلامية كتعويضات عن الاعتقالات غير القضائية 440 مليون جنيه.
كل هذه الأموال.. دهب.. ياقوت.. مرجان..
ولكن يبقي السؤال: ين تذهب هذه الاموال؟
هل تذهب لهذه الأسر التعيسة التي استهلكت ما بين مطاردات الأمن ثم السحل بين النيابات والمحاكم، وفي النهية بين السجون والليمانات والزيارات التي دائما هي اما ممنوعة او من خلف (السلك) حيث يحرم الاب من ابنه او ابنته وتحرم الام من فلذة كبدها تحرم من مجرد ان تلمسه بيديها أو أن ترتمي في صدره وتبكي.
لو أن هذه الاموال تذهب لهؤلاء الضحيا، الذين هم ضحيا الجهل والعنف والتعصب من ذويهم اولا ثم ضحيا لنظام مستبد فاسد جعل منهم وقوداً لمعركة وهمية . لكان الخطب يسير نتحمله فنحن من يدفع هذه الأموال الطائلة التي هي أموال عامة جمعت منا في صورة ضرائب ورسوم وفواتير، قسمت ظهورنا، ولكن الطامة الكبري هي أن هذه الأموال، تستقر في النهية في يدي مافيا هذه التعويضات من المحامين بعدما يستغلون جهل اسر المعتقلين بالقانون ويلقون إليهم بالفتات لإسكاتهم.
وحتي تكتمل الصورة اليكم تفاصيل هذه الجريمة التي تبدأ من علي سلم نيابة امن الدولة وتنتهي بالسيارة الفارهة -أحدث موديل - والقصر والمكتب الفخم وعضوية مجلس النقابة العامة للمحامين لمن يملك موهبة الرقص مع الذئاب.
سلم مباحث امن الدولة
من علي سلم مباحث امن الدولة يبدأ الطريق للانضمام الي هذه المافيا، الادوات بسيطة جدا وهي لحية او مسبحة، ومجموعة من العبارات مثل: يا اخي.. جزاكم الله خيرا.. اللهم انتقم من الظالمين ..الخ تبدأ علاقة حميمية بين ( الاخ)المحامي وبين أمين شرطة امن الدولة الذي معه كشف باسماء المتهمين المعروضين علي النيابة تتخللها رشوة ليست ملعونة لأنها هدية من اجل التحاب في الله، هكذا يزين (الاخ) المحامي الفعل لنفسه ثم يحضر( الاخ) المحامي التحقيق مع المتهم، فلا يملك أن ينطق بكلمة واحدة سوي جملة واحدة يحفظها عن ظهر قلب وهي: «نلتمس اخلاء سبيل المتهم بي ضمان تراه النيابة» وهو لا يستطيع أن يفعل اكثر من ذلك حتي لا تضيع (السبوبة) من يديه فلو اغضب السيد أمين الشرطة أو لو قال أو طلب طلبا أزعج النيابة فإنه سيخرج من جنة النيابة مذؤما مدحورا الي غير رجعة.. يخرج المتهم ومعه محاميه الهمام الذي يطلب من المتهم إخباره بهاتف أسرته .. حتي يطمئنهم عليه -فما ارق قلبه -ثم يعود (الأخ) المحامي إلي مكتبه بغنيمته التي هي عبارة عن مجموعة من أرقام التليفونات كلها لأسر معتقلين أو محبوسين علي ذمة هذه القضيا، ولك أن تتخيل لهفة أسرة لم تر ابنها منذ يام أو شهور بعد القبض عليه عندما يأتيهم مكالمة من شخص يقول انه محامي ابنهم ويريد مقابلتهم، يهرع اهل المسجون للاخ المحامي لسؤاله عن فلذة كبدهم، يستقبلهم( الأخ) المحامي في مكتبه بعبارات من العبارات سالف ذكرها وبعد أن يطمئنهم علي حالته يدخل في الموضوع، والموضوع دائما هو آلاف الجنيهات يجب أن تدفعها الاسرة من اجل ان يتظلم الاخ المحامي من قرار الاعتقال، والحضور معه في النيابة، وإحضار تصاريح الزيارة للأسرة المكلومة، وهنا يتحول المعتقل المسكين الي ملف من ملفات مكتب الاخ المحامي، ولكنه ليس كي ملف في مكتب محام، انه ملف يدر سمنا وعسلا، فهذا الملف يتحول الي عدة دعاوي تعويضات عن تعذيب واعتقال، تثمر اموالاً طائلة يستولي عليها الاخ المحامي ويرمي الفتات للمعتقل واسرته.
كما يقول المصريون (وتلعب البلية وتدور) وتتكاثر الملفات وتلد ملفات وتتزيد العلاقات من أمين الشرطة إلي لواءات شرطة ثم وزراء ويصبح الأخ المحامي رمزا ليبحث له عن مقعد في مجلس الشعب أو مقعد في مجلس نقابة المحامين، أو حتي يؤسس حزباً لقيطاً لحمية امبراطوريته الجديدة وتتزاوج الثروة بالسلطة ، وتتكاثر ثروته التي جمعها من أموال التعويضات من الأرامل واليتامي والمعذبين.. هذا هو الطريق الذي سلكه الكثيرون ويسلكه الأكثر، البعض وصل نهيته والبعض مازال يحبو فيه ويتعثر، وهذه هي الجريمة النكراء التي أردت أن اكشفها لعلي أجد آذانا صاغية لوقف نزيف المال العام في هذه الحلقة المفرغة والضحية في النهية هم هؤلاء المساكين الذين هم حطب لنيران التعصب والجهل لتضيع أعمارهم في السجون ويستولي علي حقوقهم في التعويض هذه المافيا.