الاثنين، 7 فبراير 2011

لا يلدغ الشعب من جنرالات الجيش مرتين




فى طريقنا الى التجربة التونسية لن نضل الطريق الى التجربة الليبية او السورية , فنحن لم نتلقى رصاص الشرطة ( الحى والمطاطى والخرطوش ) بصدورنا العارية و نختنق بقنابل الغاز المسيل للدموع , و نتصدى لهجمات البلطجية بخيولهم وجمالهم واسلحتهم , لنهدى فى النهاية دماء الشهداء والجرحى من ابناء هذا الجيل هدية على طبق من ذهب لجنرالات الجيش المصرى لحسم معركتهم مع معسكر جمال مبارك ورجال الاعمال وجهاز امن الدولة على السلطة , تلك الحرب الباردة التى دارت فى السنوات الاخيرة بين المعسكرين , والتى تفوق فيها معسكر جمال مبارك فى معركة انتخابات مجلس الشعب الاخيرة , ليملأ البرلمان المصرى برجاله من قيادات الشرطة ورجال الاعمال ويقهر رجال الجيش والموالين لهم , لم تخرج جموع الشباب فى 25 يناير وما بعده لنخوض معركة لصالح جنرالات الجيش الذى لم تسعفهم الشجاعة لخوضها معلنة جلية ضد من نهب الوطن واذل كرامة المواطن , خوفا على مكتسابتهم وامتيازاتهم وارضاءاً للرئيس مبارك قائدهم الاعلى , واستخفافا بتاريخ المؤسسة العسكرية الوطنى التى دائما ما تؤدى ضريبة الدم .
عقب خطاب الرئيس فى يوم الثلاثاء فى 1 فبراير الذى قال فيه انه لن يرشح نفسه مرة ثانية بعد انقضاء مدته الرئاسية الحالية اختلفت مع صديقى ( الوفدى ) لانه قال انه لابد من عودة الجماهير من ميدان التحرير الى بيوتهم بينما كنت ارى ولا زالت انه لابد من عودة جنرالات الجيش الى ثكناتهم قبل عودة المتظاهرين الى منازلهم فلابد ان يرحل مبارك ويعود جنرالات الجيش الى ثكناتهم ويترك امر السياسة للسياسين المدنيين وليدير شأن البلاد مجلس رئاسى ثلاثى بشكل مؤقت يضم رجل واحد من قيادات الجيش – لضرورة التسيق بين الجيش والحكومة الجديدة لاقرار الامن - لفترة مؤقتة يتخللها تعديل الدستور واجراء انتخابات حرة نزيهة , كنت منفعلا فى تلك اللحظة واستحوذ على الغضب لاننى كنت ارى امام عينى تكرار لما حدث فى أنقلاب يوليو , عندما استغل ضباط الجيش حالة الحراك السياسيى ماقبل 1952 للقفز على السلطة واحتكارها وماتبع ذلك من حالة العصف بالحريات والحقوق العامة وبخاصة المدنية والسياسية للمصريين التى انتهت بهزيمة يونيو 1967 , وجاء الصباح ومعه الدليل على صدق حدسى فقد هاجم البلطجية المتظاهرين فى ميدان التحرير بعدما افسح لهم الطريق جنود الجيش المكلفين بتأمين الميدان وانسحبوا ليتركوا المتظاهرين المسالمين يواجهوا مصيرهم على ايدى البلطجية فى صورة تعكس توطؤ جنرالات الجيش مع قيادات الحزب الوطنى من رجال الاعمال – اعداء الامس اصدقاء اليوم – فى مشهد اقرب ما يكون للمشهد الذى تعرض له الدكتور عبد الرازق السنهورى رئيس مجلس الدولة والفقيه القانونى فى عام 1954 عندما طالب بعودة الجيش الى ثكناته واحترام شرعية دستور 23 فما كان من رجال الجيش الا بتنظيم مظاهرة من الماجورين للهتاف بسقوط الدستور والديمقراطية والاعتداءعليه .
ولم تكن هذه هى الخطيئة الاولى التى ارتكبها جنرالات الجيش فقد سبق ذلك فى يوم الجمعة 28 يناير امداد خمس سيارات شرطة عسكرية يرتدون ملابس الجيش بذخيرة حية لرجال الشرطة القابعين فى مبنى وزارة الداخلية لاطلاقها على شباب المتظاهرين الاحرار فى ميدان التحرير والتى استشهد وقتها عشرات الشباب على ايدى رجال الشرطة وبالذخيرة الحية لرجال الجيش , وهو الامر الذى فطن له المتظاهرين عند مرور السيارة السادسة عندما سلك الشك طريقه الى قلوبهم فقاموا بتفتيش السيارة ووجدوا بها الذخيرة الحية فأحرقوا تلك السيارة , ولم تقف خطايا جنرالات الجيش عند الصمت الرهيب على الفساد والاستبداد طيلة فترة حكم مبارك , ثم التواطؤ على الفتك بالمتظاهرين فى ميدان التحرير مرة بتقديم العون والذخيرة الحية لرجال الشرطة ومرة بتركهم فريسة بين انياب البلطجية , لكن استمرأ جنرالات الجيش سلوك الضباع وأرادوا ان ينهشوا فى جسد الثورة بعدما جاءت تعينات مبارك الاخيرة لاصدقاءه المخلصين وتلامذته الاوفياء , تلك التعينات التى جاءت بعدما انفضت شرعية مبارك عنه بقيام الثورة وخروج الملايين مطالبة برحيلة ومعلنة انتهاء عصر الظلمات والمظالم , فقد بدأ عمر سليمان نائب مبارك فى ممارسة العاب الحواة التى تعلمها من الصهاينة فى مفاوضاته معهم فى السنوات الماضية , وبدأ حربا نفسية قذرة على الشعب المصرى بإستخدام الاعلام الحكومى , فجاءت الاتهامات بالعمالة , والتحريض ضد المتظاهرين , ثم تبع ذلك محاولات لشق صفوف المتظاهرين فقد استغل نائب مبارك اصحاب النوايا الحسنة الذين تعاملوا مع الصراع بين شرعية الثورة وقراصنة السلطة من جنرالات الجيش بمنطق المثل الشعبى ( يابخت من وفق راسين فى الحلال ) فشكلوا لجان للحكماء ولجان للتفاوض لا تملك تفويضا او شرعية للحديث باسم هذه الثورة كما استغل نائب مبارك تاريخ الاحزاب الطويل للهرولة لكسب ود النظام ومغازلته ليلقى لهم بفتات مقاعد البرلمان او المحليات فأسال لعابهم بالجلوس على طاولة المفاوضات , واستغل كل هذه الكيانات ليعطلهم عن مهمتهم الرئيسية وهى تحفيز الشعب ورفع همته وتنظيم وتأطير الشباب فى أطر يكون من السهل التواصل بينهم من خلالها لتستمر مسيرة 25 يناير من اجل كرامة المرصيين , وذلك ليعكس صورة مذبذبة للثورة تشوه وجهها وتنال من نقاءها وتفت فى عضد أرادتهم , من اجل استهلاك الوقت ليبقى الوضع على ماهو عليه مراهنا على ان الملل سيتسرب الى ميدان التحرير بمزيد من الحصار الذى يفرضه يوما بعد يوم , لكن الشعب لا يلدغ من جنرالات الجيش مرتين فإذا كان جنرالات الجيش سببا فى وصول امثال مبارك الى الحكم , ولا يزالوا هم سنده وحمايته وخط دفاعه الاول والاخير , فإن هذا الشعب قد شب عن الطوق , وكره مذاق الخنوع , ومازالت جموعه الغفيرة فى ميدان التحرير وفى كل ميادين مصر فى المحافظات مجتمعة تنتظر الحرية بعد رحيل الطاغية ونظامه ورجاله وزبانيته واوهامه , ولن ترضى عن الحرية بديلا بعدما دفعنا ضريبة الدم , فالشعب اصبح وسيظل دائما وابدا مصدر السلطات , وعلى كل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والشرطة والبرلمان والقضاء ان ترسخ لهذه السلطة وتحترمها من اجل الشرعية , التى لن يفرط فيها هذا الشعب الذى أراد الحياة .
" قد اخسر الدنيا نعم . لكنى اقول الآن لا.. هى اخر الطلقات لا.. هى ماتبقى من هواء الارض لا.. ماتبقى من حطام الروح ... حاصر حصارك لامفر . اضرب عدوك لامفر. سقطت ذراعك ؟ التقطها. وسقطت قربك ؟ فالتقطني ..واضرب عدوك بي.. فأنت الآن.. حر. وحر. وحر.. قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة. اضرب بها عدوك أنت الآن. حر. وحر. وحر.. حاصر حصار.. بالجنون !ذهب الذين تحبهم.. آه ذهبوا. فإما أن تكون. أو لا.لا تكون – ابيات لمحمود درويش "
احمد ابوالمجد
محام وباحث حقوقى

ليست هناك تعليقات: