السبت، 28 يونيو 2008

نصب تذكارى لشهداء التعذيب فى مصر

نصب تذكارى لضحايا التعذيب فى مصر

شهدى عطية.. كمال السنانيرى.. عبد الحارث مدنى.. مسعد قطب.. وسليمان خاطر.. محمد السقا.. اكرم زهيرى.. طارق الغنام.. قافلة شهداء الرأى والحرية فى مصر بدأت منذ بداية التاريخ ولم تنتهى , ومازالنا كالسمكة بلا ذاكرة تستحوذ علينا الانانية فننسى كل الذين ضحوا بأروحاهم من اجل أرآئهم التى ما صدعو بها الا من اجلنا جميعا , نختلف او نتفق معهم لكن لابد ان نقدر تضحياتهم من اجلنا لكننا خذلناهم وكاد النسيان يطوى صفحاتهم , نضجت البشرية جميعها وتركت جريمة التعذيب الى غير رجعة وما زلنا وبالرغم من كل ما قدمناه على مذبح الاستبداد من شهداء اسرى لهذه الجريمة , ومازال نزيف الكرامة المصرية مستمر لم يتوقف , وبالرغم من ذلك يمر اليوم العالمى لمناهضة التعذيب فى 26 يونيو مرور الكرام ونحن فى حالة اشبه ما تكون بالتيه الجماعى وفقدان الذاكرة الجماعية , كل هذا دفعنى للسؤال لماذ لا نقيم نصب تذكارى لضحايا التعذيب فى مصر بل فى الوطن العربى كله ؟ ليكون شاهدا على جرائم الاستبداد والظلم وامتداد تاريخ الوحشية الانسانية حتى هذه اللحظة , وكأننا نعيش فى ظلال القوانين الاغريقية حينما كان يعتبر ارسطو التعذيب احد الوسائل الخمسة المشروعة للحصول على ادلة , القانون و العرف الشهود واليمين القانونية كما يجيزه ضد الاجانب والعبيد والمتهمين بارتكاب جرائم , كما يجيزه ضد المواطنين فى حالة واحدة وهى حالة الخيانة العظمى وحينما كان يعرفه احد القانونيين الرومانيين بأنه البحث عن الحقيقة بأستعمال الالم والمعاناة الجسدية , للاسف الشديد لم نتجاوز هذه المرحلة من تاريخ البشرية وما زالت هذه الجريمة ظاهرة فى بلادنا ,جريمة يرتكبها رجل الشرطة فى الشارع وفى القسم وفى السجون والمعتقلات ويمارسها الزوج ضد زوجته واولاده ويمارسها المدرس ضد تلامذته ليساهم بذلك فى صناعة جيل من العبيد , سنوات طويلة مضت على الاعلان العالمى لحقوق الانسان الذى جاءت المادة الخامسة منه لتنص على "لايجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللانسانية او الماسة بالكرامة" ثم جاءت بعده اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللانسانية او المهينة بقرار الجمعية العامة بأعتماد الاتفاقية فى 10 ديسمبر 1984 ثم دخلت حيز النفاذ فى 26يونيو 1987 وهو اليوم العالمى لمناهضة التعذيب , كما شكل اطراف الاتفاقية الذين يبلغ عددهم حاليا تقريبا 118 دولة لجنة لرصد تنفيذ هذه الاتفاقية مكونة من عشرة اشخاص من الخبراء منتخبون بصفتهم الشخصية وقد عقدت هذه اللجنة اول اجتماع لها فى اول ابريل 1988 وعلى الدول الاطراف تقديم تقريرها كل اربع سنوات وبالرغم من التزام مصر بهذه الاتفاقية والتزامها بتقديم التقارير الدورية الا ان هذه الجريمة يتمتع مرتكبوها وخاصة رجال الشرطة وخاصة رجال امن الدولة بحصانة اقوى من كل الحصانات المعروفة فى القوانين – حصانة الامر الواقع - فى مهزلة تاريخية تثبت اننا نتراجع آلاف السنسن الى الخلف ففى الوقت الى ينشأ فيه صندوق الامم المتحدة لمساعدة ضحايا التعذيب بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة فى عام 1981 لتقديم العون الى ضحايا التعذيب يموت كمال السنانيرى تحت التعذيب فى السجون المصرية وتقيد الواقعة انتحارا مثلها مثل عشرات الحالات المماثلة ومازالت جرائم التعذيب ترتكب وتتطور فى صور اشد فجاجة فمؤخرا شارك بعض الاطباء فى تعذيب المتهمين فى احداث المحلة بتركهم مقيدين الايدى والارجل اثناء وجودهم فى المستشفى للعلاج وتكررت هذه الجريمة مع مرضى الايدز عند تلقيهم العلاج بالمخالفة لاعلان مبادئ آداب مهنة الطب التى اعتمدتها الجمعية العامة فى عام 1982 بقرارها رقم 37\ 194 , والذى يجرم المبدأ الثانى منها قيام الاطباء بطريقة ايجابية او سلبية – بأعمال تشكل مشاركة فى التعذيب او تواطؤا او تحريضا على ارتكاب هذه الافعال , والكارثة ان نقابة الاطباء لم تتحرك لمواجهة هذه المهازل .
كل هذا يجعل من فكرة إحياء ذكرى ضحايا التعذيب والعنف عن طريق (إقامة نصب تذكاري) ضرورة ملحة يمكن تنفيذها بشكل رسمى عن طريق ان يتبنى عدد من اعضاء البرلمان هذه الفكرة ويعملون على تطبيقها أو بشكل غير رسمي ( ببناء جدارية ) داخل حديقة نقابة المحامين او فى بهو نقابة الصحفيين او فى مدخل نادى القضاة ؛ وذلك من اجل استحضار ذكرى الضحايا و التعرف عليهم، و تعريف الناس بماضيهم، و زيادة وعي المجتمع، ودعم الضحايا واسرهم وإظهار الحقيقة، وجبر الأضرار، وضمان عدم تكرار ما جرى. إضافة إلى كل ذلك، غالبا ما يكون هناك مطلب بالتذكر. فتذكر الماضي يتيح نوعا من تكريم أولئك الذين ماتوا أو تمت التضحية بهم. حيث أن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخرى ، بما في ذلك البحث عن الحقيقة، وضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلا، وتحفيز الحوار والنقاش حول الماضي، ووضع سجل تاريخي مناسب، والإنصات لأصوات الضحايا ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا وملاحقة الجناة وفضحهم اما المجتمع .
فدائما كانت وستظل النصب التذكارية تجسيدا لأحداث وأشخاص أو نشاطات حدثت في فترة تاريخية سابقة. وهي فئة واسعة للغاية وتشمل أشكالا فنية عديدة، وأعمال نحت، وحدائق تذكارية، ومتاحف ضمير (مثل متحف تيريزين التذكاري في جمهورية التشيك أو متحف المقاطعة 6 في جنوب أفريقيا)، واللوحات التذكارية، وتحويل مراكز تعذيب سابقة إلى ساحات للتذكر (مثل موقع تيول سليتغ في كمبوديا)، والجدران التذكارية (مثل جدار مايا لينز التذكاري عن حرب فيتنام في واشنطن) وجهود أخرى تهدف إلى إثارة التذكر والنقاش حول الماضي , فعندما ادعوا الى نصب تذكارى لضحايا التعذيب فهذا هو اقل مايمكن ان نطالب به ليكون بمثابة تعويض رمزى من قبيل الاعتراف بفضل هؤلاء الضحايا الذين اضأءو لنا الطريق بأجسادهم وارواحهمكما انها وسيلة للتحفيز على التغيير المجتمعي، باعتبارها عاملا لإثارة حوار ضروري لبناء واستدامة مجتمع سلمي وديمقراطي ينبذ ويناهض العنف والتعذيب على كافة اصعدته سواء كان تعذيب مادى او معنوى , ويعتبر (لحاف الإيدز) مثالا ممتازا على نصب تذكاري لقي تشجيعا من خلال التفاعل المادي مع التذكار نفسه، وترجم إلى التزام حضاري أوسع وأشمل. إنها فكرة اختمرت في ذهن مجموعة صغيرة من الغرباء في سان فرانسيسكو سنة 1987 بشأن توثيق حياة أناس يخشى أن يهملهم التاريخ، وتحولت بعد ذلك إلى لحاف الإيدز، الذي يتكون من 44.000 قطعة قماش، ترمز كل قطعة منها إلى حياة شخص توفي بسبب الإيدز، وتمت حياكتها إلى بعضها البعض على أيدي الأصدقاء والمحبين وأفراد العائلة. وقد جلب اللحاف أكثر من 3 ملايين دولار خصصت لتقديم خدمات مباشرة للأشخاص المصابين بالوباء، ومن ثم أصبح هذا اللحاف أضخم مشروع فني مجتمعي في العالم. وربما يؤكد ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام سنة 1989 التأثير الذي يمكن أن يمارسه نصب تذكاري مشبع بالمعاني والدلالات في مجال حقوق الإنسان والعدالة .
احمد ابو المجد
محامى الفقراء

ليست هناك تعليقات: