السبت، 2 أغسطس 2008

غزوة حزب الوفد!!


غزوة حزب الوفد!!

دكة خشبية عتيقة في مدرسة حكومية متهالكة الأركان جمعتني بأصدقاء الطفولة محمد وعبد الرحمن, سنوات الدراسة الابتدائية بكل مفرادتها كانت تجمعنا , السندوتشات , الفسحة , عقاب المدرسين , وثورتهم الدائمة على غبائنا , الزي المدرسي , الدروس الخصوصية , حقيبة الكتب ...الخ , محيط خارجي واحد كان يجمعنا إلا أن في رأس كل واحد منا كانت تدور أحداث قصة مختلفة , ففي ذات اللحظة التي كنا نسرح فيها بخيالنا, كان لكل واحد منا عالمه الخاص به , فدائما كانت نجومية عمرو دياب وقصة شعره وصوته و إعجاب المعجبين به كان ذلك هو ما يدور في خيال وأحلام صديقي عبد الرحمن الذي كان يرى عمرو دياب مثله الأعلى وقدوته التي ينبغي عليه الاقتياد بها ليصبح نجما فى سماء الفن , بينما كان حسام حسن لاعب الكرة هو من احتل خيال صديقي محمد بأهدافه ومبارياته ومناوراته ولياقته.
وعلى الجانب الأخر من العالم كنت أعيش بخيالي في جزيرة منعزلة أقرا في السيرة عن بطولات أطفال الصحابة في القتال وهم فى مثل سنى .. وكنت أرى قدوتي في معاذ ومعوذ أبني عفراء الطفلان اللذان طعنا أبو جهل في غزوة بدر,و أسامة ابن زيد بن حارثة-اضغر قائد حربى فى الاسلام - دائما ما كنت أتمنى أن تسيل دمائي في سبيل الله وان اقتل أعداء الله , كثيرا ما كانت تسرى في جسدي رعشة الحماس للقتال , فدائما كان يرتبط القتال عندي بالبطولة وحماية الشرف والعرض والضعفاء لأحقاق الحق وإزهاق الباطل!! كنت احب وانتظر بشغف مشاهدة فيلم عنترة بن شداد, صلاح الدين الأيوبي , المماليك , ..الخ كل الأفلام التي تحكى عن أبطال كان السيف في أيديهم هو الوسيلة لنصرة الحق وإزهاق الباطل , وكانت الدماء دائما هي ثمن الحرية , و البطولة تعنى إراقة الدماء , لا يهم أبدا أي دماء تلك التى أريقت ؟! حتى لو كانت دماء البطل نفسه , فالبطل لاتهمه الأرواح والدماء بقدر ما تهمه البطولة واحقاق الحق !! كنت أتابع بشغف بطولات الأفغان في حرب أعداء الرحمن(الاتحاد السوفيتي سابقا )!! كما كنت احفظ عن ظهر قلب أسماء أمراء الجهاد الأفغاني أمثال قلب الدين حكمتيار , وعبد رب الرسول سياف , وبرهان الدين رباني .. الخ
ودارت آلة الزمان لتكبر أحلامي في البطولة ولأشهد أيام كثيرة تتلبسنى فيها روح البطولة في المظاهرات والاعتصامات والمسيرات واللقاءات والاجتماعات والفاعليات التى كنت احضرها وانظمها بدوري كشاب من شباب الأخوان , مئات المرات التي كنت استحضر فيها روح الجهاد هاتفا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا ,عشرات المرات اقتحمنا أسوار الجامعة ونحن طلبة للخروج للشارع, لم نكن نفعل ذلك للحصول على حقنا في التظاهر فحسب... ولكن كانت بداخلنا روح القتال , كنا مقاتلين لم يؤذن لهم بعد للقتال , ولكننا دائما نردد انا لمنتظرون... كنا قبل أي مظاهرة نستيقظ الفجر لنذهب إلى الجامعة ونجتمع لقراءة سورة الأنفال والتوبة وسورة محمد (القتال ) ثم نبدأ في سرد خواطرنا حول الآيات التي لا تخرج عن الحديث عن القتال فهذه السور الكريمة تقص أحداث غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الأحزاب . ويأتي موعد المظاهرة وقد امتلأت نفوسنا حماسا ورغبة ليس في التظاهر وحسب! ولكن في القتال وإراقة الدماء من اجل إظهار الحق وإزهاق الباطل !
سنوات طويلة على هذا الحال وقد استقر في عقلي ووجداني أن البطولة واجب ومصير وان الحق والحرية ونصرة الضعفاء وصون الشرف والعرض لا يكون إلا بالقتال وإراقة الدماء وحتى تكون بطلا من أبطال الحق والحرية لابد من دماء تراق , دماء البطل.. أو دماء أعداء البطل! هذه هي البطولة والفروسية !!

ودارت الايام ... وجرى في نهر عقلي الماء الكثير , وكعادة الحياة , تبدلت ظلمة الليل نهارا , وأشرقت معارفي بنور الحوار , وصب في نهري الكثير من الأفكار وازدادت روافد هذه النهر ومضت سنوات من الجدل الذاتي و الجدل مع الآخرين .. وبعد التجربة والخطأ , أيقنت أن التجربة الإنسانية على الأرض نضجت بما يتيح لها القدرة على الحوار والجدل والتدافع الفكري بطرق أخرى غير السيف وأرقة الدماء , وان الديمقراطية أهم اكتشاف واختراع وإبداع بشرى فى العصر الحديث , وان هابيل وقابيل كانت تكفيهم جلسة حوار واحدة لتتجنب البشرية خطيئة القتل وإراقة الدماء , وانمحى من داخلي صوت الشيخ فوزي السعيد - خطيب مسجد التوحيد غمرة - وهو يردد و يقول أن الديمقراطية كفر وان من يقول لك انه ديمقراطي فقل له أنت كافر !
واتخذت البطولة عندي شكلا جديدا لا أرى فيه سيفا ولا درعا ولا دماء , وأيقنت أن الفروسية في الحق والحرية لم تعد تستلزم قتلا ولا قتالا ولا عضلات مفتولة وجسدا قوى البنية, فكل الناس أبطالا متساويين في البطولة قادرين على صناعتها بمجرد تعبيرهم عن آرائهم بلا خوف أو رهبة - سيد الشهداء حمزة ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر - بطولة نصنعها جميعا من غير أن ننتظر البطل المنقذ المغوار, الذي ربما يأتى أو لا يأتى , وحتى لو آتى فكثيرا ما يغريه هتافنا بأننا نفديه بأرواحنا وبدمائنا بالاستبداد فنصنع منه مستبدا جديدا ....
ودارت عجلة الزمان بحكمته المعهودة لأشهد يوم اجتماع الجمعية العمومية للهيئة الوفدية والذي كان يوما مشهودا , بفرسانه وأبطاله وبطولاته من اجل الحق والحرية معركة دارت وانتهت ولم تراق فيها قطرة دماء واحدة , معركة كان أبطالها في المقام الأول رجال الهيئة الوفدية الذين اجتمعوا لحسم الخلاف في صورة غاية في الرقى والتحضر الإنساني, فرسان من نوع خاص, فرسان هذا الزمان ,فروسية يعتلى فيها الفارس عقله ويتترس بمنطقه ويصول ويجول وهو يعلم أن انتصاره هو الانتصار لرأى الأغلبية وان القرار لابد أن يشارك فيه الجميع لأنه سيطبق على الجميع , وان هناك طريقا أخر غير السمع والطاعة والرضوخ لأوامر الأمير والمسئول لتحقيق مصلحة الجميع , وان الإنسان يعيش في مجتمع يشارك فيه برأيه وعمله , وليس قطيع يساق فيه , نعم كانت غزوة بكل ما تحمله الكلمة من معاني الفتح والنصر والتمكين,غزوة كان فرسانها شباب وشيوخ الوفد الذين تألقوا في يومهم المشهود ليقف كل واحدا منهم على ثغر من ثغور المعركة يدفع عن حزبه غوائل الاستبداد أمثال عصام شيحة وصلاح سليمان ومحمود على واحمد سميح... , كوكبة من فرسان الليبرالية المصرية يعزفون أعزب الحان الديمقراطية بقيادة المايسترو الدكتور محمود أباظة رئيس الحزب الذي لم ينساق إلى مهاترات وتلاعب البعض بالقانون ولجأ إلى أهل الرأي و أصحاب القضية والقرار في الجمعية العمومية.
وفى قلب المعركة كان هناك فرسان المجتمع المدني جنود وحماة الديمقراطية الذين وهبوا أنفسهم لها وترهبنوا في صوامعها , وصدقوا ما عهدناهم عليه من الحيدة والنزاهة والشفافية , وأنفقوا زهرة شبابهم في سبيل حرية وكرامة هذا الوطن في ذات اللحظة الذي حقق فيها أبناء جيلهم ممن لم يهتموا إلا بأنفسهم عشرات أضعاف ما حققه هؤلاء الأبطال وهم الاكثر خبرة وقدرات وملكات , وكعادته كان نجاد البرعى فارسا متألقا شجاعا ثابتا صابرا جلدا , لم ينل طول الوقت وفرز بطاقات التصويت من بشاشة وجهه وابتسامته المعهودة , وظل حازم منير يقود فريقه المتميز في المراقبة بحنكة واقتدار حتى اللحظات الأخيرة , ومن المجلس القومي لحقوق الإنسان كان هناك الرائع دائما رضا عبد العزيز.., مقاتلين أزهقوا روح الاستبداد ,وأعادوا الحياة إلى اعرق الأحزاب المصرية وأقدمها وأنضجها , بترياق الحرية والحياة والكرامة والمساواة والمشاركة , و ينتهي اليوم مسجلا لحزب الوفد صفحة جديدة مشرفة في سجل الليبرالية المصرية ممهورة بتوقيع المجتمع المدني الناهض الذي آل على نفسه مهمة الدفاع عن الديمقراطية المصرية ودعمها لتنهض وتقف على أقدامها ,لأقرار مفهوم جديد للنضال من اجل الحرية يشارك فيه الجميع من اجل التغيير والاصلاح من غير الحاجة الى مقصلة الثورة الفرنسية او دبابات ومدافع العسكر والانقلابيين .
احمد أبو المجد
محامى الفقراء

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

المعركه كانت منور برجال المجتمع المدني وانت علي راسهم ولكم مني ومن كل الوفديين جزيل الشكر والتقدير عل المجهود الذي بذلتموه من اجلنا